أخبار عاجلة

جنازة البابا .. بوصوف يقارب "المُقدس" في زمن الذكاء الاصطناعي

جنازة البابا .. بوصوف يقارب "المُقدس" في زمن الذكاء الاصطناعي
جنازة البابا .. بوصوف يقارب "المُقدس" في زمن الذكاء الاصطناعي

قال عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، إن لحظة إعلان وفاة البابا فرانسيس الثاني كانت بمثابة إعلان عن انطلاق مرحلة جديدة للكنيسة الكاثوليكية، مشيرًا إلى أن “الكونكلاف” المزمع عقده سيكون “الأكثر متابعة في تاريخ الكنيسة بفضل الثورة الرقمية”، ومضيفًا أن “الجنازة شهدت الالتزام الحرفي والقوي بكل التفاصيل المرافقة للحدث التاريخي”.

وأشار بوصوف، في مقال له بعنوان “المقدس في زمن الذكاء الاصطناعي”، إلى أن مشهد جنازة البابا “كان فصلاً جديداً من الصراع الخفي بين مكونات تيارات العالم الرقمي، والهويات الافتراضية، والذكاء الاصطناعي”، موضّحًا أن “هذه اللحظات تُعيد إحياء طقوس تمتد لقرون عديدة، صمدت أمام كل شعارات التطور التكنولوجي والرقمي”.

نص المقال:

كانت لحظة إعلان وفاة البابا فرانسيس الثاني في 21 أبريل الماضي بمثابة إعلان عن انطلاق ترتيبات مرحلة جديدة للكنيسة الكاثوليكية، إذ لم تتوقف الآلة الإعلامية عن إنتاج وتسويق تحاليل وتقارير عن إرث البابا فرانسيس الثاني، المشهود له بميله لقضايا السلام والدفاع عن الفقراء والمهاجرين، وحوار الأديان، خاصة مع الإسلام؛ وكلنا نتذكر زيارته التاريخية إلى مملكة أمير المؤمنين محمد السادس في فبراير من سنة 2020.

لقد أسهب البعض في تفكيك معادلات تركة البابا على مستوى دوره في العلاقات الدولية، والمعادلات الجيو-إستراتيجية والسياسية والحقوقية.

وتطرق البعض إلى الملفات الساخنة التي فتحها البابا بكل جرأة، خاصة داخل الكنيسة، وهي ملفات مالية وأخلاقية، وكذا أدواره القوية، سواء في موجة الهجرة الجماعية لسنة 2015، ونقله حوالي 12 مهاجراً غير قانوني من إحدى جزر اليونان إلى إيطاليا عبر الطائرة، أو إدارة جائحة كوفيد 19، مع آرائه حول الحرب في أوكرانيا وغزة/فلسطين.

فيما تناول آخرون بكثير من العمق والتحليل مدى تأثير كل هذا التراكم على مجريات “الكونكلاف” المزمع عقده يوم السابع من شهر ماي الجاري، واعتكاف حوالي 133 كاردينالاً لتعيين البابا الجديد بصعود الدخان الأبيض.

لكن هناك شيئاً آخر لا يقل أهمية عن تعيين بابا جديد يقود حوالي 1.4 مليار مسيحي في كل أرجاء العالم، من طرف 133 كاردينالاً كناخبين كبار، إذ يتوقع المتابعون أن هذا “الكونكلاف” سيكون الأكثر متابعة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، بفضل الثورة التكنولوجية والرقمية.

الأمر الآخر الذي عشناه يوم جنازة البابا فرانسيس الثاني في 26 من أبريل ليس مراسيم دفن رجل دين يقود الكنيسة الكاثوليكية، بل هو الالتزام الحرفي والقوي بكل التفاصيل المرافقة للحدث التاريخي، منذ تاريخ إعلان الوفاة وإلى يوم تنظيم الجنازة.

لقد شهد العالم مراسيم الجنازة الأهم في ساحة القديس بطرس بروما، بحضور 200 ألف فرد، منهم 12 ملكاً و55 رئيس دولة ورؤساء حكومات وحجاج ومواطنين.

لم نكن أمام مشهد سينمائي أو سردية سوريالية، لقد كنا في معمعة حقيقية وصراع غير معلن بين إعادة إنتاج طقوس وعادات تمتد لأكثر من 2000 سنة، من جهة، وثورة رقمية وجيل خامس في الاتصالات، وجيل الذكاء الاصطناعي، من جهة مقابلة.

في مشهد رهيب يغلب عليه الصمت والسواد أعيدت طقوس ورموز دينية محفورة في الذاكرة الجماعية لمؤمني الكنيسة الكاثوليكية، ففي كل خطوة كانت هناك دلالة، وفي كل حركة كان هناك معنى وإسقاط تاريخي، وكل الأغاني والأشعار كانت باللغات القديمة واللاتينية.

لقد عشنا فصلاً جديداً من الصراع الخفي بين مكونات تيارات العالم الرقمي، والهويات الافتراضية، والذكاء الاصطناعي، التي لم تستطع هزم تيارات “المقدس” عند الإنسان، ولم تستطع هزم أصالته وعراقته أو فصله عن جذوره، لأن كل هذا يقفز على معادلات المنطق أو نتائج التطور وسرعة الصوت، ولأنها، بكل بساطة، مشتركه الإنساني مع بني جلدته و”قبيلة انتمائه”.

وهو مشهد مألوف عند الأمم والشعوب التي لها تاريخ حضاري وتراث إنساني كبير، إذ عشنا السيناريو نفسه، وبأدوات الصراع غير المعلن نفسها، في لحظة الاحتفال بتتويج الملك شارل الثالث في شهر ماي من سنة 2023، بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية. العنوان الكبير هو طقوس وعادات، وإعادة إنتاج طقوس تمتد لقرون عديدة، صمدت أمام كل شعارات التطور التكنولوجي والرقمي. كانت لحظات تتويج الملك شارل الثالث رسائل امتداد لملوك حكموا المملكة المتحدة التي لا تغيب عنها الشمس، بحضور تاج القديس إدوارد كأقدم التيجان، صُنع في المملكة سنة 1661، وكرّس التتويج بعمر 700 سنة، مع طقوس دهن الأساقفة يد وصدر الملك بالزيت المقدس.

كل هذه الطقوس والعادات، بما فيها الملابس والموسيقى وترتيب الحضور، تشكل لحظات قوية في تاريخ بريطانيا وفي مخيال شعوبها، إذ دونها قد تفقد الملكية في بريطانيا أحد أسباب امتدادها وجزءاً كبيراً من شرعيتها، أي الشرعية التاريخية والحضارية والدينية.

وسيظل الصراع بين ثنائيات الخير والشر، والمقدس والمدنس، مادة للمفكرين والباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية. وفي لحظات نعتقد بانكسار المُقدس وقيم الخير والعادات والطقوس تنبعث بكل قوة من رماد الصراع، وتعلن عن حياة ممكنة لتقاليد وطقوس شعوب عريقة، كاليابان، والصين، والهند، وبريطانيا، وفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، والمملكة المغربية، تتشبث بأصولها وحضارتها، وغير آبهة بشعارات الثورة الرقمية، عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على المقدسات والذاكرة التاريخية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق مديرية الصحة تجري تنقيلات بالبيضاء
التالى فتح باب التقديم لوظائف معلم مساعد رياضيات بالأزهر