قصص الكنوز المطمورة تضع "هواة الأساطير" أمام المساءلة القانونية

قصص الكنوز المطمورة تضع "هواة الأساطير" أمام المساءلة القانونية
قصص الكنوز المطمورة تضع "هواة الأساطير" أمام المساءلة القانونية

تعد ظاهرة البحث عن الكنوز من الظواهر الاجتماعية التي تقاوم العقل، لكنها تحجز لنفسها حيزا في قلوب الطماعين، كما تفرض نفسها في أركان المخيال الشعبي الذي يتشابك فيه السحر بالدين والخرافة بالواقع، والفقر بالأمل والحقيقة بالوهم.

قبل 3 أيام أوقفت السلطة المحلية بجماعة بوقرة ضواحي مدينة وزان، بناء على إخبارية ويقظة عون سلطة، أربعة أشخاص ينحدرون من مدينة سلا كانوا بصدد التنقيب والحفر بحثا عن كنز مزعوم وسط مدشر ودوار نائي في إقليم وزان. ووفق المعطيات التي جرى تداولها فإن الموقوفين حلوا بالتجمع السكاني على متن سيارة تحمل ترقيما يحيل على أن المركبة في ملكية الدولة M –rouge في خطة تروم التمويه ورفع الشبهات.

تحت أشعة الشمس، وفي وضح النهار، شرع الأفراد الأربعة في الحفر بالاستعانة بمعاول بحثا عن “كنز” قد لا يكون له أثر سوى في مخيلتهم، غير أن فطنة عون السلطة المحلية أجهضت هذه المغامرة الغارقة في الطقوس الأسطورية، ليتم اقتيادهم إلى مخفر الدرك والتحقيق معهم والاستماع إليهم في محاضر رسمية تحت إشراف النيابة العامة المختصة.

من الجنوب الشرقي إلى شمال المملكة تنتشر قصص “الكنوز المدفونة”، حيث تروي شهادات شفهية غير موثقة أن بعض هذه الكنوز تعود إلى عهد ملوك الرومان القدامى، في حين تنسبها روايات أخرى إلى عالم الجن و”فقيه” يفك طلاسم لفتح أبواب رزق مغلقة.

ظاهرة متشابكة

محمد بن عيسى، دكتور باحث في علم الاجتماع، قال إن “ظاهرة البحث عن الكنوز تعد من الظواهر الاجتماعية الراسخة في عمق المخيال الشعبي المغربي، وقد حظيت باهتمام عدد من المؤرخين والأنثروبولوجيين والسوسيولوجيين، من أمثال ابن خلدون، والحسن بن محمد الوزان (ليون الإفريقي)، وبول باسكون، وغيرهم”.

وأضاف بن عيسى، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الظاهرة لا تنفصل عن البنية الذهنية والرمزية التي تشكلت عبر قرون من التفاعل بين الواقع والأسطورة، الدين والسحر، الطموح والفقر”.

وأورد الباحث في علم الاجتماع أن “الاعتقاد بوجود كنوز مدفونة – غالبا ما يقال إنها تعود إلى الجن أو إلى عهود غابرة من الرومان أو البرتغاليين أو حتى ملوك محليين – يشكل تمثلا جماعيا تتداخل فيه الثنائيات المتناقضة: المقدّس والمدنّس، الواقعي والمتخيّل، الرمزي والعجائبي”.

وشدد المتحدث ذاته على أن “الكنز ليس مجرد معدن ثمين مطمور في باطن الأرض، بل هو أيضا تمثيل حلم بالغنى الفجائي، والارتقاء الطبقي السريع، والخلاص من الفقر والحرمان”، مبرزا أن “هذه الظاهرة تحديدا تنتعش في الأوساط الهشة التي يتعاظم فيها حضور الخرافة والأسطورة”.

نصب واحتيال

قال بن عيسى: “لا يُمكن فصل ظاهرة البحث عن الكنوز عن أشكال النصب والاحتيال التي تجد في هذه الأرضية المخيالية والمجتمعية تربة خصبة للنمو؛ فوسط الإيمان بقدرة بعض ‘العرافين’ أو ‘الشوافات’ أو ‘الفقها’ على استحضار الأرواح أو التواصل مع ‘خدام الكنوز’ يصبح من السهل التلاعب بعقول البسطاء وسرقة أموالهم تحت ذريعة ‘فتح الرزق’ أو فك الطلاسم”.

وتابع الباحث ذاته بأن “البحث عن الكنز ليس مجرّد ممارسة هامشية أو طيش أفراد، بل هو مرآة تعكس هشاشة الواقع الاقتصادي والاجتماعي، واختلالات في التوازن بين العلم والخرافة، وبين الحلم والواقع”، خاتما بأن “دراسة هذه الظاهرة تتجاوز الطرافة السطحية لتلامس عمق الأزمة الرمزية والاجتماعية في بنية المجتمع المغربي”.

القانون الجنائي

تبت المحاكم الابتدائية على الصعيد الوطني في عشرات الملفات المتعلقة بقضايا البحث عن الكنوز، إذ تجرم مجموعة القانون الجنائي المغربي التنقيب عن الكنوز، حيث يتحدث الفصل 528 عن أنه “كل من عثر على كنز، ولو في ملك له، ولم يخطر به السلطة العامة، في ظرف خمسة عشر يوما من يوم اكتشافه، يعاقب بغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهما”.

أما “من عثر على كنز وتملكه، كله أو بعضه، دون أن يصدر له إذن بذلك من الجهة القضائية المختصة، حتى ولو كان قد أخطر به السلطة العامة، فإنه يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى مائتين وخمسين درهما”، تورد الفقرة الثانية من الفصل 528 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.

ويحاط نقاش ظاهرة البحث عن الكنوز بستار كثيف من الكتمان والتخفي لا يختزل في حفرة على عمق أمتار ولا تعويذة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات تلامس الفقر والتهميش وهشاشة الوعي، كما يمتد الأمر إلى الكشف عن توتر بين العلم وسحر الأسطورة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بدون عنوان: أسرار الأوراق النقدية .. رحلة في "عوالم الكاش الخفية"
التالى تفاصيل اجتماع مجلس الزمالك وإعلان موقف زيزو