
قال الأكاديمي والروائي والمفكر المغربي محمد المعزوز إن ما نعيشه في مغرب اليوم، وما نتداوله من “قضايا سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية يحتاج إلى الكثير من المبادئ والصرامة في الإدلاء بالمواقف والآراء”، مشيرا إلى “حاجتنا وطنيا إلى هذه الصراحة لنتجنّب النفاق بكل أنواعه لأنه لا يجعل بلدنا يواجه الحقيقة. الحقيقة هي كل شيء، ولا يمكننا الوصول إلى ما نصبو إليه في الزمن الراهن بدونها. الإرادة لمّا تتصف بالقوة تتجاوز كافة أشكال الحصار”.
وأضاف المعزوز خلال تقديمه، السبت، عمله الروائي الجديد “أوّل النسيان”، المنشور عن المركز الثقافي للكتاب، في الدورة الـ30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، أن العمل، الذي يتناول ملامح من حياة محمد بن عبد الكريم الخطابي في منفاه بجزيرة لاريونيون، يرى النور رغم “محاولات محاصرته بمختلف الوسائل”، مؤكِّدًا أنه “عبارة عن تجاوب وجداني ومبدئي وفكري مع شخصية الخطابي”. وتابع “تفاعلت وجدانيًّا وفكريًّا مع هذه الشخصية الكونية، الوطنية والتاريخية”.
واسترسل كاتب “حرب الكوم” قائلا: “تفاعلت معه إلى حد أنه كان يأتيني في كثير من أحلامي، وفي كل مكان في بيتي توجد صورة له”، مضيفًا أن “الدافع لتحرير العمل السردي هو أن ثمّة فراغًا كبيرًا على مستوى رصد شخصيته في مرحلة معينة، أي تجربة نفيه إلى جزيرة لاريونيون”، مشيرا إلى أن “هذه أول رواية مغربية أو عربية تتحدث عن هذه الشخصية في هذا الجانب”.
وأوضح الروائي، الذي كان يتحدّث إلى جانب مقدّم الرواية الأكاديمي المغربي محمد الخريصي، أن الرواية “اختصت بهذه المرحلة للبحث عن كيف استسلم الخطابي ونُفي إلى هذه الجزيرة”، لافتا إلى أن “لا أحد يعرف الكثير عن هذه الفترة. كتب التاريخ تحدثت عن الرجل في معركة أنوال، كما تحدثت عنه مصادر أخرى خلال مكوثه بمصر، لكن منفى الجزيرة يغيب عن الكثير من المتون. لم أجد أعمالًا سابقة، وهنا بدأت مشقةُ البحث”.
وزاد قائلًا: “اطلعتُ على كثير من الوثائق والمذكرات، وسافرت إلى الجزيرة، واعتمدت على الوثائق الموجودة في المكتبة الوطنية في باريس. كما أن العديد من الأصدقاء أمدّوني بمستندات خاصّة”، مبرزا أن “الأساس هو كيف أقدّم هذا المناضل لمن لا يعرفه وهو يعاني كشخص. وهذه المعاناة هي معاناة مركبة، أي كيف حمل همّ الوطن جرحًا، وكيف تمّت خيانته من أقرب الناس إليه، وما هي نظرته الحقيقية للسلطة، وكيف استدمج الذين حملوا السلاح مع فرانكو”.
وأوضح كاتب “رفيف الفصول” أن “الغاية أيضًا هي رصد معاناة الخطابي وهو يرى أولئك الذين كانوا يحاربون بجانبه حملوا السلاح مع فرانكو، وكيف صار الذين ماتوا أو أولئك الذين حملوا السلاح إلى جانبه قوادًا مع إسبانيا؟”. وتساءل قائلا: “ما هي الكيفية التي ينظر بها الخطابي إلى المغاربة الذين حملوا السلاح إلى جانب إسبانيا وفرنسا لقتل الريفيين، وبقر بطون النساء الحوامل، واغتصاب النساء والعذارى؟”.. و”كيف حاول أن يعيد النظر في كل ما حدث تحت همٍّ واحد هو حرية المغرب؟ وقال أكثر من مرة: لا أريدها إمارة ولا سلطنة ولا جمهورية، أريدها دولة اجتماعية عادلة. فهذه الشخصية التي واراها النسيان، وعنوان الرواية “أول النسيان” هو كلامه لأنه لما نُفي إلى الجزيرة لا أحد سأل عنه”. لقد كان “رجل مبادئ بامتياز، ما رأيت ولا قرأت عن رجل يحمل من المبادئ الصارمة والقوية مثلما حمل الخطابي، بدليل أن بعض الوطنيين الذين ينتمون إلى أحزاب وطنية رحلوا إليه من أجل أن يستحثّوه على شيء آخر ويدخل إلى المغرب، فرفض”، يتابع المعزوز.
وأضاف أن “الخطابي بقي بجلبابه الريفي إلى أن تُوفي، وبلكنته ظل يلقّن لغته الأمازيغية لأولاده إلى أن تُوفي، كما ظلّ متمسكًا بمبدئه وبموقفه من التاريخ والإنسان إلى أن أسلم روحه إلى بارئه”، مشيرا إلى أن “الرجل كان ينظر إلى المغرب نظرة أخرى، مخالفة لما ينظر بها كثير من الوطنيين. هذا الرجل لم يُهمَّش فقط، ولم يُجتَث من ذاكرة التاريخ فحسب، ولكن هناك من حاول طمسه مطلقًا”.