في إطار برنامجها ضمن الدورة الـ30 من المعرض الدولي للنشر والكتاب جمعت رئاسة النيابة العامة، بفضاء الملتقى الثقافي الذي تستثمره عدة مؤسسات سيادية لتكريس التواصل مع المواطنين، مجموعة من الباحثين، مساء السبت، لمناقشة موضوع “حماية الأمن الاقتصادي: البدائل والتجليات”، أدارها عز الدين الماحي، رئيس شعبة الموارد البشرية لدى النيابة العامة.
العلامة والأمن
محمد محبوبي، مستشار بديوان رئاسة النيابة العامة وأستاذ للحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “الأمن الاقتصادي يُعد من أهم دعائم الأمن الإنساني، لما للاقتصاد من أهمية وتداخل في مجالات الحياة بشكل عام؛ فلا يمكن الحديث عن تنمية سياسية أو صحة أو غذاء أو تعليم إلا في ظل اقتصاد سليم”، مضيفا أنه “في ظل عولمة الاقتصاد أصبحت اقتصادات الدول مترابطة على جميع المستويات، ما يجعل أي خلل يصيب اقتصاد دولة ما ينعكس على الدول الأخرى”.
وأضاف محبوبي في كلمته خلال الندوة أن “المغرب جعل من تحقيق الأمن الاقتصادي هدفاً أساسياً، من خلال عدة مراحل، تحت إشراف الملك محمد السادس، بهدف تطويره وجعله أكثر تنافسية، بما يترجم البرامج والخطط الحكومية الرامية إلى تحقيق استدامة الأعمال، وما يتيح ترقية البلد ضمن الاقتصادات المتقدمة”، متطرقاً في هذا السياق إلى “دور العلامة التجارية في مجال التسويق كإستراتيجية لحماية أمن الاقتصاد”، وزاد: “العلامة تُعد همزة وصل بين مالكها ومستهلك البضاعة”.
وتابع المتحدث ذاته بأن هذه العلامة “غالباً ما تكون هي الوسيلة الوحيدة لبناء الثقة في بضائع التاجر، الصانع أو بائع الخدمة”، مردفا: “نلاحظ اليوم عدة مشاريع اقتصادية تسعى إلى ترويج بضائعها ومنتجاتها أو خدماتها بسرعة عبر وسيلة الإغراء، بحيث لا تقوم لها قائمة دون علامة متميزة تمكّن المؤسسة الاقتصادية من جذب أكبر عدد من المستهلكين”.
وفي السياق ذاته أكد المستشار نفسه على الجهود المبكرة التي بذلها المغرب لحماية العلامات التجارية، إذ أُصدر أول تشريع في هذا المجال بموجب ظهير 23 يوليوز 1916، تلاه ظهير 10 أكتوبر 1938، ما شكّل اللبنة الأولى لحماية الملكية الصناعية في المملكة، وواصل: “وقد تم لاحقاً نسخ هذين النصين بمقتضى القانون رقم 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية، الذي خضع بدوره لمجموعة من التعديلات”.
المقاربة الزجرية
تطرّق سمير الستاوي، رئيس وحدة تتبع تقارير تقييم الأداء القضائي برئاسة النيابة العامة، إلى “نجاعة المنظومة الزجرية في مجال منازعات الأعمال”، مؤكداً أن “جرائم الأعمال تُعد ظاهرة تطال جميع الأنظمة الاقتصادية، وتُسمى جرائم أصحاب الياقات البيضاء، لكن لا يوجد تعريف موحد ومنسجم ومتوافق عليه”، وزاد: “حاول بعض الباحثين تعريف القانون الجنائي للأعمال بأنه مجموعة من القواعد الاقتصادية التي تترتب على مخالفتها جزاءات جنائية”.
وأفاد الستاوي بأن المغرب “يوفّر منظومة متكاملة وشمولية” للتصدي لهذه الجرائم، مشيراً إلى أن “توجهات النيابة العامة في هذا الشأن تتضح من خلال الدوريات الصادرة عن رئيس النيابة العامة، والدورات التكوينية، واللقاءات مع المسؤولين القضائيين”، وقال: “بالنسبة للدوريات يعود أول منشور إلى 7 أكتوبر 2017، إذ حثّ النيابات العامة على إعطاء العناية الكاملة لحماية النظام العام الاقتصادي، ثم صدر منشور آخر سنة 2018 تطرّق لموضوع حماية المستهلك، بالإضافة إلى منشورات أخرى”.
وبخصوص النجاعة ناقش المسؤول القضائي بيانات ثلاث سنوات بخصوص مخالفات قانون الضابط المتعلق بالصرف، والمخالفات المتعلقة بحرية الأسعار والمنافسة، وكذلك التدابير الحمائية المتعلقة بالمستهلك، والجرائم المرتبطة بالغش في البضائع، واعتبر أنه “تم تحريك المتابعات في نسبة مهمة من القضايا والمحاضر المعروضة داخل أجل معقول”.
وأوضح رئيس وحدة تتبع تقارير تقييم الأداء القضائي برئاسة النيابة العامة أن انخفاض عدد المحاضر بخصوص مخالفات قانون الضابط المتعلق بالصرف بين 2021 و2023، على سبيل المثال، يؤكد أن “هذا النوع من المخالفات بات في تراجع، وأن المقاربة الزجرية آتت أكلها، وهو ما ينعكس في انخفاض عدد القضايا والمتابعين”.
الكلمة للمستهلك
منير مهدي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – السويسي بالرباط، وعضو مجلس المنافسة، ناقش “ضبط الأمن الاقتصادي الممارسات المقيّدة للمنافسة”، مشيراً إلى أن “المغرب اختار نظام الليبرالية وانفتاح الأسواق”، وقال: “هذه المسألة لها تقييم على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وإذا بحثنا في المجال المتعلق بالأمن الاقتصادي فلا بد أن ندرسه انطلاقاً من تصورنا للقيم التي ينبغي أن يكون عليها هذا السوق”.
ولفت مهدي إلى أن “مجموعة من التجاوزات ظهرت في السوق رغم أن المسألة المتعلقة بتنظيم السوق وتمكين الأشخاص من الولوج إليها وممارسة حرياتهم وجّه فيها المشرع المغربي الفاعلين نحو السلوك الذي ينبغي عليهم القيام به، من خلال تنظيم الولوج إلى الأسواق وضبطها بالعديد من القوانين”، مضيفاً أن “المملكة كانت واضحة في ما يتعلق بالزجر في الغش في البضائع، لأن حماية المتدخلين والأطراف المستفيدة من هذه السوق الاقتصادية تهمّ كذلك المستهلك”.
وأفاد المتحدث نفسه بأن “التشريعات لا تحد من الحرية، وإنما تضبط التوازنات الاقتصادية بين الفاعلين على أساس تمكينهم من الاستفادة من الحرية المكفولة للجميع”، وزاد موضحاً: “هذه ديمقراطية اقتصادية. ومن يقبل المتنافس أو يرفضه في السوق ليس الإطار المنافس له، وإنما المستهلك أو طالب السلعة الذي يسعى إلى تلبية رغباته. ونحن نعلم أن المقاطعة صارت من الأسلحة الاقتصادية التي تُرهب الشركات”.
حرية الأسعار
من ناحية أخرى ركّز روشام الطاكي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بعين الشق – جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، على “ضبط الأمن الاقتصادي حرية الأسعار”، مبيّناً أن “التقاء العرض والطلب يعطينا سعر التوازن”، ومشيراً إلى أن “جوهر المنافسة الحرة يفيد، في عمومه، عدم التحكم المسبق في كميات السلع المعروضة في الأسواق أو في أسعارها، وترك ذلك لقوى السوق في تفاعل حر”.
وأفاد الطاكي في مداخلته بأن “الأسعار إذا لم تعبّر عن التفاعل الحر بين العرض والطلب فإنها تعني الإخلال بمبدأ المنافسة الحرة، وتفقد صفة العدالة”، متسائلاً: “الإشكالية الآن هي: هل أسعارنا عادلة أم لا؟”، وقال: “لا يستقيم الحديث عن التسعير دون الحديث عن المنافسة، فالأمران متلازمان، لأن المقاولة عندما تنافس فإنها تقوم بذلك من خلال أدوات، ولاسيما السعر”.
وأشار الأكاديمي المغربي المتخصص في القانون إلى أن “لدى المغرب حتى الآن ست تجارب في مجال المنافسة منذ الاستقلال”، موضحاً من ناحية أخرى أن “هناك سياسة الأسعار وإدارة الأسعار، وقد تحدّث المشرع المغربي عن حرية الأسعار والمنافسة، فيما تضع الحكومة التصور السياسي للأثمان”، داعياً إلى “تعزيز دور البرلمان في إطار مراقبة الدولة لمجال التسعير، خاصة أنه أصبح، بعد 2011، يمتلك اختصاص تقييم السياسات العمومية”.