في خطوة مفصلية، تعكس تحولا في السياسة النقدية، وتحمل تداعيات متعددة على الأسواق المصرية، أقدم البنك المركزي يوم الأربعاء الماضي، على اتخاذ خطوة غير متوقعة تمثلت في خفض أسعار الفائدة بواقع 225 نقطة أساس، ليصبح سعر الإيداع 25% وسعر الإقراض 26%، وهو أول تخفيض منذ أكثر من أربع سنوات.
هذه الخطوة، التي جاءت في ظل تراجع ملحوظ لمعدلات التضخم وتعافي تدريجي للاقتصاد، لم تمر مرور الكرام على سوق الذهب الذي أظهر تفاعلات فورية، تخللها ارتفاع لافت أعقبه استقرار نسبي في الأسعار، وهذا من نستعرضه في هذا التقرير من بانكير، حيث سنتطرق إلى تأثير خفض أسعار الفائدة على سعر الذهب في مصر.
قرار نقدي جريء في لحظة محورية
استندت هذه الخطوة إلى مجموعة من المؤشرات الإيجابية على رأسها الهبوط الحاد في معدل التضخم السنوي من ذروته البالغة 38% في سبتمبر 2023 إلى 13.6% في مارس 2025، فضلا عن نمو اقتصادي بنسبة 4.3% خلال الربع الأول من العام مدفوعا بأداء قوي في قطاعات السياحة والصناعة غير البترولية.
ويهدف التوجه النقدي الجديد إلى تحفيز الاستثمار المحلي وتحريك عجلة الاستهلاك، مع الحفاظ في الوقت ذاته على استقرار الأسعار، في ظل توقعات باستمرار منحنى التضخم في الهبوط خلال العامين المقبلين.
تأثير خفض أسعار الفائدة على سعر الذهب
بمجرد إعلان القرار، سجل الذهب قفزة ملحوظة في السوق المحلية، حيث ارتفع سعر جرام الذهب عيار 21، الأكثر رواجا في مصر، بمقدار 30 جنيها ليصل إلى 4790 جنيها في اليوم نفسه، إلا أن هذه القفزة لم تستمر طويلا، إذ شهد السوق استقرارا ملحوظا بحلول مساء الخميس 18 أبريل، مدفوعا بتوقف البورصات العالمية تزامنا مع عطلة نهاية الأسبوع.
لماذا أثر قرار البنك المركزي على أسعار الذهب
هناك عدد من العوامل ساهمت في تغيير حركة السوق، ارتفاع أسعار الذهب ولو بشكل محدود منها الآتي:
تراجع جاذبية الأدوات الادخارية الثابتة:
مع توقف إصدار شهادات العائد المرتفع، مثل شهادات الـ25% منذ يناير 2025، وفر خفض الفائدة بيئة غير جاذبة للأدوات الادخارية الثابتة، مما دفع شريحة من المستثمرين للاتجاه نحو الذهب باعتباره أداة أكثر أمانا لتحصين مدخراتهم.
ويؤكد رئيس شعبة الذهب، هاني ميلاد، في تصريحات إعلامية أن هذا التحول في المزاج الاستثماري عزز الطلب على المعدن الأصفر، خاصة مع بقاء التوقعات بضعف الجنيه أمام الدولار قائمة.
انتعاش حركة البيع والشراء:
بحسب تصريحات ناجي فرج، مستشار وزير التموين لشؤون الذهب، فإن القرار النقدي وإن لم يؤثر بشكل مباشر على تسعير الذهب المرتبط بالسوق العالمي، إلا أنه ساهم في تحريك السوق الداخلية وزيادة معدل التداول في محال الصاغة، نظرًا لتوفر سيولة أكبر لدى المواطنين.
تأثيرات سعر الصرف:
في ظل الضغط الذي يتعرض له الجنيه المصري، ارتفع سعر صرف الدولار ليتداول بين 51.17 و51.67 جنيه، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد الذهب وبالتالي دعم الأسعار المحلية.
ووفق آراء عدد من الخبراء، فإن تراجع قيمة العملات المحلية أمام الذهب يعد اتجاها عالميا، في وقت خسر فيه الدولار الأمريكي نحو نصف قوته الشرائية مقابل الذهب خلال 18 شهرا فقط.
دوافع خارجية تغذي ارتفاع الذهب
استقرار الأوقية عالميا:
بلغ سعر أوقية الذهب 3317 دولارا، مدعومًا بانخفاض مؤشر الدولار وتزايد الرهانات على خفض الفائدة الأمريكية من جانب الاحتياطي الفيدرالي، ونتيجة للارتباط الوثيق بين السوق المصرية والعالمية، انعكس هذا الاستقرار مباشرة على الأسعار المحلية.
التوترات الجيوسياسية كعامل دعم:
التصعيد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب السياسات الحمائية التي شرعت إدارة ترامب في تنفيذها مثل فرض رسوم جمركية جديدة في أبريل، زاد من جاذبية الذهب كملاذ آمن للمستثمرين في مواجهة التقلبات الاقتصادية والسياسية، ما ساعد على تعزيز الاتجاه الصعودي للسوق.
هل سيرتفع سعر الذهب بعض قرار خفض الفائدة؟
هناك العديد من التوقعات التي تشير إلى ارتفاع سعر الذهب بعض قرار البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة، وذلك للأسباب التالية:
الفرصة البديلة تصبح أقل كلفة:
في أجواء تشهد تراجعا في عوائد السندات الحكومية وتراجع جاذبية الشهادات البنكية، يصبح الذهب خيارا منطقيا للمستثمرين الباحثين عن أدوات للتحوط ضد تقلبات السوق.
وكشف تقرير صادر عن جولدمان ساكس يشير إلى أن مثل هذه التحولات تدفع بالأموال نحو أصول لا تدر عوائد تقليدية، وعلى رأسها الذهب، ولهذا من المتوقع أن تذهب الأموال خلال الفترة المقبلة إلى الاستثمار في الذهب باعتباره الملاذ الأكثر أمانا خلال الفترة المقبلة.
مخاوف من عودة التضخم:
رغم التراجع الحالي في معدل التضخم، حذّر محللون من أن ضخ سيولة إضافية في الأسواق قد ينعكس لاحقًا في صورة ارتفاع تدريجي بمستوى الأسعار، مما يدفع المستثمرين لمواصلة التمسك بالذهب كوسيلة للحفاظ على قيمة الاموال.
تدفقات الأموال الساخنة:
التوقعات بأن يؤدي خفض الفائدة إلى خروج الأموال الساخنة من السوق المصري، تشكل ضغطًا محتملا على الجنيه، مما يعزز أسعار الذهب على المدى القريب نتيجة لارتفاع تكلفة الاستيراد، وهذا التأثير يعرف بـ"تأثير التدفقات النقدية" وهو أحد العوامل الحاسمة في تسعير الذهب محليا.
الترابط العضوي مع السوق العالمية:
يظل الذهب المصري مرآة تعكس التغيرات العالمية في السعر، والتي تتأثر بمستوى الفائدة الحقيقية عالميا، حيث كشف تقرير لبنك "ساكسو" أكد أن بقاء سعر الأوقية فوق 3300 دولار يفتح الباب أمام موجة صعودية جديدة، ما يعزز من فرص استمرار الأسعار المرتفعة في السوق المحلي.
كيف سيكون المشهد في أسعار الذهب في 2025؟
يتوقع الخبراء بأنه سيكون هناك سقفا جديدا لأسعار الذهب في عام 2025، مشيرين إلى كسر سعر جرام الذهب عيار 21 حاجز الـ5000 جنيه خلال الربع الثاني من 2025، مدفوعا بارتفاع الأسعار العالمية وضغط سعر الصرف.
وأكد الخبراء أن السوق ستشهد تقلبات قصيرة المدى مرتبطة بتغيرات في سعر الدولار وموسمية الطلب، لكنها ستظل تتحرك في مسار صعودي طالما استمر التيسير النقدي، مرجحين تراوح الأسعار ما بين الاستقرار عند 4700 – 4800 جنيه إذا تحسن الجنيه، او وصولها لـ5200 جنيه حال تصاعدت التوترات أو تراجع الجنيه مجددًا.
لا شك أن قرار خفض أسعار الفائدة في مصر شكّل نقطة تحول في سوق الذهب، حيث حفز الطلب المحلي وأبقى الأسعار عند مستويات مرتفعة مدعومة بزخم عالمي مستمر، ومع التوقعات باستمرار التيسير النقدي على المستوى الدولي، واستمرار التوترات الجيوسياسية، يظل الذهب خيارا جذابا لحفظ القيمة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
