شهد المغرب، خلال الأشهر الأخيرة، تساقطات مطرية وثلجية وفيرة ساهمت في رفع نسبة ملء السدود إلى 39.5 في المائة حتى يوم الأربعاء 16 أبريل الجاري، وفقًا لمعطيات وزارة التجهيز والماء.
هذا التحسن الملحوظ، الذي جاء بعد سنوات من الجفاف القاسي، أنعش الآمال في تعزيز الأمن المائي، لا سيما في دعم القطاع الفلاحي وتأمين مياه الشرب؛ غير أن هذا الانتعاش يثير، من جانب آخر، تساؤلات حول مدى قدرة الاستراتيجيات الحالية على استدامة هذه المكاسب وتجنب العودة إلى حالة العجز المائي التي عانت منها البلاد.
وكان نزار بركة، وزير التجهيز والماء، أفاد، خلال جلسة الأسئلة الشفوية الأخيرة بمجلس المستشارين، بأن تراكم الأوحال في السدود يتسبب في خسارة حوالي 50 مليون متر مكعب سنويًا من القدرة التخزينية.
وأكد المسؤول الحكومي عينه أن وزارته تعمل على تدابير وقائية؛ مثل التشجير بالتعاون مع وكالة الغابات، وتعلية السدود، وإزالة الأوحال من السدود الصغرى، لتخفيف هذه الإشكالية.
محمد سنان، أستاذ التعليم العالي بالمدرسة الحسنية للأشغال العمومية بمدينة الدار البيضاء، سجل أن الأمطار الأخيرة التي عرفها المغرب بهذه الكمية بعد سبع سنوات من الجفاف رفعت حجم ملء السدود إلى حوالي 6.6 مليارات متر مكعب من المياه، بزيادة 15 في المائة منذ بداية 2025.
وأبرز سنان، ضمن تصريح لهسبريس، أن هذه الكمية، مع توقعات بزيادة إضافية من ذوبان الثلوج وهطول أمطار أخرى، “تشكل فرصة ذهبية لتعزيز الأمن المائي، خاصة في تلبية احتياجات الفلاحة ومياه الشرب خلال الصيف المقبل”.
وأكد الخبير في الموارد المائية على ضرورة الاستفادة من دروس سنوات الجفاف من خلال توزيع المياه بين السدود لتقليل التبخر، خاصة في المناطق ذات النقص المائي. كما اقترح نقل الفائض المائي من سد إلى آخر عبر قنوات مخصصة، لضمان توزيع عادل وتجنب تركيز المياه في عدد محدود من السدود؛ مما يعرضها للتبخر والهدر.
وأوضح المتحدث عينه أن استغلال المياه يجب أن يعطي الأولوية –بعد ضمان وفرة مياه الشرب- للفلاحة المحلية على حساب الزراعات الموجهة للتصدير، مع استخدام المياه في تغذية الفرشات المائية من خلال منشآت مخصصة بغرض تقليل التبخر. هذا الإجراء، وفقه، سيرفع مستوى الفرشات المائية؛ مما يسهل على الفلاحين في العالم القروي الوصول إلى المياه ويحد من الهجرة نحو المدن ويعزز الفلاحة المعيشية.
وحثّ الأستاذ بالمدرسة الحسنية للأشغال العمومية بالدار البيضاء على تعزيز التوعية المستمرة حول أهمية ترشيد استهلاك المياه، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي قد تجلب فترات جفاف أشد. كما أكد على دور التقنيات الحديثة، مثل صور الأقمار الاصطناعية، في مراقبة شرطة الماء استغلال المياه ومكافحة الاستخدام غير القانوني، مشددا على أن الموارد المائية ملك عام يجب حمايته.
من جانب آخر، دعا سنان إلى تعزيز البحث العلمي والتكوين في مجال الموارد المائية، مع مكافحة التلوث لحماية جودة المياه.
وفي هذا الصدد، لفت إلى أهمية إعادة تدوير المياه العادمة لاستغلالها في الأنشطة المبذرة للماء الصالح للشرب كسقي المساحات الخضراء، فضلا عن تحلية مياه البحر التي يعول عليها المغرب لتوفير حوالي 1.5 مليارات متر مكعب سنويًا بحلول 2030، كجزء من برنامج طموح.
بدوره، أكد عزيز أبو عبد الله، أستاذ باحث بالمدرسة الوطنية للفلاحة، أن الأمطار الأخيرة، رغم تأخرها، كانت ذات فوائد كبيرة، حيث دعمت الفرشات المائية وملأت السدود؛ مما ساعد على إنعاش الفلاحة، خاصة زراعة الأشجار المثمرة والحبوب والقطاني.
وشدد أبو عبد الله، في حديث لهسبريس، على ضرورة وجود إرادة سياسية قوية وتنسيق بين قطاعات الفلاحة والماء والبيئة لضمان عدم عودة العجز المائي، معتبرًا هذا الانتعاش فرصة مؤقتة تتطلب إدارة حكيمة.
وأوضح المتحدث عينه أن استغلال المياه يجب أن يكون ذكيًا، مع تحسين البنية التحتية للقنوات المائية لتقليل التسرب، ودعم الفلاحين وتتبعهم لتبني تقنيات ري فعالة مثل الري بالتقطير. كما دعا إلى مراعاة احتياجات النباتات وخصائص التربة لتحديد كميات المياه المطلوبة، لتجنب الهدر سواء بالتبخر أو التسرب إلى أعماق التربة.
وأشار الأستاذ الباحث بالمدرسة الوطنية للفلاحة بمكناس إلى أن هذا الانتعاش يمثل فرصة لتطوير استراتيجية مستدامة لتدبير المياه تركز على الحكامة والكفاءة، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي قد تؤدي إلى فترات جفاف أكثر حدة.
وأكد أبو عبد الله أن التنسيق بين القطاعات ضروري لتحديد أولويات توزيع المياه، مع إعطاء الأولوية للقطاعات الحيوية.
ودعا إلى مواكبة الفلاحين الصغار والمتوسطين لتحسين إنتاجيتهم بكميات مياه أقل، من خلال تبني الفلاحة الرقمية والذكية. كما اقترح التوجه نحو زراعات بديلة تتطلب مياهًا أقل، مع استخدام تقنيات بسيطة كمجسات لقياس رطوبة التربة واحتياجات النباتات، لضمان استغلال مثالي للموارد المائية.