الركود يهدد الأسواق.. كيف تأثرت البورصات العالمية برسوم ترامب الجمركية؟

أحدثت الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في إطار سياسته الاقتصادية الجريئة المعروفة بـ"يوم التحرير الاقتصادي"، زلزالا في الأسواق المالية العالمية، متسببة في تقلبات حادة وخسائر هائلة بلغت تريليونات الدولارات خلال أيام قليلة. 

وفي هذا التقرير من بانكير، نقدم رصدا دقيقا لتداعيات هذه السياسة على البورصات العالمية منذ بداية الأزمة، مرورا بردود الفعل الاقتصادية، انتهاءا بالتحركات الأخيرة بعد قرار ترامب بتعليق بعض الرسوم لمدة 90 يوما. 

تأثير الرسوم الجمركية الجديدة على البورصة العالمية 

في صباح يوم 2 أبريل 2025، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قنبلة اقتصادية بإعلانه عن فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، مع رسوم إضافية مرتفعة على 60 دولة، وصلت إلى 54% على المنتجات الصينية، و20% على الواردات من الاتحاد الأوروبي، و25% على السيارات والشاحنات الخفيفة المستوردة من جميع أنحاء العالم. 

هذا القرار، الذي استند إلى سلطات الطوارئ الوطنية بموجب قانون التجارة لعام 1974، جاء دون مشاورات مسبقة مع حلفاء الولايات المتحدة أو حتى الكونجرس، مما أثار صدمة في الأسواق المالية العالمية.

تأثير القرار على البورصة في أمريكا وأوروبا

خلال الساعات الأولى من الإعلان، شهدت البورصة الأمريكية انهيارا فوريا، حيث تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 3.2% في أول ساعة من التداول، وأغلق اليوم منخفضا بنسبة 5.8%، مسجلا أكبر انخفاض يومي له منذ أزمة الرهن العقاري في 2008. 

أما مؤشر ستاندرد آند بورز 500، الذي يمثل نطاقا أوسع من الشركات، هبط بنسبة 4.9%، بينما دخل مؤشر ناسداك، الذي تهيمن عليه شركات التكنولوجيا، في منطقة التصحيح بعد انخفاضه بنسبة 10.2% خلال يومين فقط.

في أوروبا، كانت الصدمة مماثلة، حيث افتتح مؤشر ستوكس 600، الذي يغطي الشركات الكبرى في القارة، منخفضا بنسبة 2.1% يوم 3 أبريل، مع خسائر حادة في أسهم شركات السيارات مثل فولكس فاجن وبي إم دبليو، التي تراجعت بنسبة 7% و6.5% على التوالي، بسبب الرسوم على السيارات المستوردة إلى الولايات المتحدة. 

أما مؤشر فوتسي 100 البريطاني هبط بنسبة 4.6%، مدفوعا بانخفاض أسهم شركات التعدين والطاقة، بينما سجل مؤشر داكس الألماني، الذي يعتمد بشدة على الصادرات، انخفاضًا بنسبة 4.4% في يوم واحد.

تأثير القرار على البورصة في آسيا

وفي آسيا، كانت الأسواق الأكثر تضررا بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة على الصين، حيث انهار مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ بنسبة 12.3% خلال أسبوع، مسجلا أسوأ أداء له منذ الأزمة المالية العالمية في 2008. 

اما مؤشر نيكاي 225 الياباني، الذي يضم شركات تصدير كبرى مثل تويوتا وسوني، تراجع إلى أدنى مستوى له في ستة أشهر، بهبوط نسبته 8.7% خلال ثلاثة أيام.

وفي الصين، أغلق مؤشر CSI 300 منخفضًا بنسبة 9.1%، مع انخفاض حاد في أسهم شركات التكنولوجيا مثل هواوي وعلي بابا.

تأثير القرار على البورصة في الدول العربية

خلال هذه الفترة، شهدت الأسواق العربية، خاصة في الخليج، انخفاضات ملحوظة بسبب تراجع أسعار النفط، الذي تأثر بتوقعات انخفاض الطلب العالمي نتيجة الحرب التجارية، وتراجع مؤشر سوق دبي المالي بنسبة 3.8% يوم 3 أبريل، بينما سجلت بورصتا السعودية وأبوظبي انخفاضات بنسبة 1.5% و1.2% على التوالي.

لماذا تسببت قرارات ترامب الجمركية في انهيار البورصة؟

أسهمت عدة عوامل في حدوث انهيار أولي على سوق البورصة في مختلف أرجاء العالم من بينها الآتي:

• أولاً، جاء القرار مفاجئًا، حيث لم تتوقع الأسواق مثل هذه السياسة المتشددة بعد أشهر من التصريحات المتضاربة من إدارة ترامب.
• ثانيًا، أثار الإعلان مخاوف من ردود فعل انتقامية من الدول المتضررة، خاصة الصين، التي ردت في اليوم التالي بفرض رسوم بنسبة 34% على السلع الأمريكية، بما في ذلك المنتجات الزراعية والطائرات.
• ثالثًا، أدى القرار إلى ارتفاع التوقعات بتسارع التضخم في الولايات المتحدة، مما دفع المستثمرين إلى التخلص من الأسهم والبحث عن أصول أكثر أمانا مثل الذهب وسندات الخزانة.

التكنولوجيا والسيارات تحت ضغط قرارات ترامب الجمركية 

تأثرت شركات التكنولوجيا بشكل غير متناسب، حيث تعتمد العديد منها على سلاسل التوريد الصينية، حيث انخفضت أسهم شركة آبل بنسبة 12.5% خلال يومين، مدفوعة بالرسوم الجمركية الأمريكية على المنتجات الصينية التي وصلت إلى 54%. 

كما تراجعت أسهم شركات مثل نفيديا وكوالكوم بنسب مماثلة، في قطاع السيارات، أدت الرسوم الجمركية بنسبة 25% على السيارات المستوردة إلى خسائر حادة في أسهم شركات مثل جنرال موتورز (انخفاض بنسبة 8%) وتيسلا (انخفاض بنسبة 7.3%).

انتعاش مؤقت بعد تعليق الرسوم 

في 9 أبريل 2025، أعلن ترامب تعليق الرسوم الجمركية الإضافية على معظم الدول لمدة 90 يومًا، باستثناء الصين، حيث رفع الرسوم عليها إلى 125%. 

أدى هذا القرار إلى انتعاش قوي في الأسواق يوم 10 أبريل، حيث قفز مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 9.5%، مسجلاً أكبر مكاسب يومية له منذ 2008. 

وفي آسيا، ارتفع مؤشر نيكاي الياباني بنسبة 8%، بينما صعد مؤشر هانغ سنغ بنسبة 2.06%، ومع ذلك، سرعان ما تبدد هذا التفاؤل مع رد الصين برفع الرسوم إلى 84% على الواردات الأمريكية، مما أعاد الأسواق إلى التراجع يوم 11 أبريل.

تداعيات اقتصادية لقرار الرسوم الجمركية الجديدة 

حذرت مؤسسات مالية مثل جي بي مورجان من ركود اقتصادي أمريكي في النصف الثاني من 2025، مع توقعات بانكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1% في الربع الثالث. 

كما أشارت منظمة التجارة العالمية إلى تراجع التجارة العالمية بنسبة 1% هذا العام. في المنطقة العربية، تأثرت الأسواق الخليجية بانخفاض أسعار النفط، بينما سجلت البورصة المصرية انخفاضا بنسبة 2.8% يوم 3 أبريل.

ومع تصاعد عدم اليقين، ارتفع سعر الذهب إلى 3167.71 دولارا للأونصة يوم 3 أبريل، قبل أن يستقر عند 3127.44 دولارا، كما ارتفعت سندات الحكومة الأمريكية، بينما تراجع الدولار بنسبة 2.29%، مسجلا أسوأ أداء له في ستة أشهر.

حالة ترقب وتصعيد 

حتى 17 أبريل 2025، تظل الأسواق في حالة ترقب مع استمرار المفاوضات بين الولايات المتحدة وشركائها، وتتجه دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية للتفاوض، بينما توعدت الصين بمزيد من الإجراءات، وفي الخليج، تسعى الدول لتعزيز العلاقات مع الصين لتقليل الخسائر.

وتستمر تداعيات رسوم ترامب حتى الآن في إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي، بينما أدى تعليق الرسوم إلى تهدئة مؤقتة، فإن التصعيد مع الصين واضطراب سلاسل التوريد ينذران بتقلبات إضافية، فهل ستحقق هذه السياسة أهداف ترامب أم ستدفع العالم نحو ركود اقتصادي؟.. هذا ما ستكشف عن الأيام المقبلة.