قال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إن مقتضيات المادة 3 من مشروع المسطرة الجنائية “تثير إشكالات جوهرية بشأن مدى ملاءمة التعديل المقترح مع مقتضيات الدستور، ومدى الانسجام مع الالتزامات الدولية للمغرب، ومدى التقائية السياسة الجنائية مع السياسات العمومية الخاصة بالحكامة الجيدة ومكافحة الفساد، ومدى الانسجام مع مقتضيات أخرى في قانون المسطرة الجنائية وتشريعات أخرى”.
وأضاف المجلس في رأيه الاستشاري بشأن مشروع قانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، أن تقييد حق التقاضي وصلاحيات النيابة العامة في إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في القضايا الخاصة بالمساس بالمال العام، وفق منطوق المادة المذكورة، “لا ينسجم مع أحكام القانون الجنائي الذي يعاقب كل شخص بعدم التبليغ عن جريمة علم بوقوعها حسب الفصلين 209 و299 من القانون الجنائي”، علما أن “القانون الجنائي يتضمن عقوبات صارمة ضد من ثبتت ضده تهمة الوشاية الكاذبة أو القذف أو الابتزاز”.
وأشار المجلس إلى أن هذه “العقوبات يمكن تفعيلها ضد من يحاول توظيف العدالة لغرض ما بسوء نية. كما أنه من الضروري بمكان العمل على مراجعة القانون المتعلق بالجمعيات بما يرسخ معايير الحكامة الجيدة في تسييرها ويسد الطريق على الانحرافات المحتملة”، مبرزا أن المقتضى المتعلق بتحريك المسطرة إذا تعلق الأمر بحالة التلبس، “يصعب تفعيله بالنظر إلى خصوصيات وتعقيدات الجرائم الماسة بالمال العام”.
وشددت الهيئة عينها على أن “القيام بالتبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام يبقى دائما متاحا بقوة القانون، بحيث يمكن للأشخاص الذاتيين والمعنويين، أفرادا وجمعيات… أن يتقدموا بشكاياتهم ذات الصلة بجرائم المال العام إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وذلك طبقا للاختصاصات الموكولة إليها في هذا الشأن في تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات المتعلقة بحالات الفساد الإدارية والمالية المشار إليها في الفصل 36 من الدستور”.
وأبرزت مؤسسة الحكامة المذكورة أنه “يمكن لهذه الهيئة بعد قبول الشكاية ودراستها أن تحيلها إلى رئاسة النيابة العامة”، مسجلة أن “هذا ينسجم كذلك مع الالتزامات الدولية لبلادنا بتمكين مشاركة المجتمع في التبليغ عن جرائم الفساد إلى هيئات وطنية متخصصة في مكافحة الفساد يتم إحداثها لهذا الغرض وتتسم بالاستقلالية، كما هو الشأن بالنسبة للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”.
وتشير التعديلات المقترحة في المادة 3 من قانون المسطرة الجنائية إلى أنه “لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك”.
خلافا للفقرة السابقة، “يمكن للنيابة العامة المختصة إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية تلقائيا في الجرائم المشار إليها أعلاه إذا تعلق الأمر بحالة التلبس”.
وبشأن تقييد انتصاب الجمعيات كطرف مدني في القضايا الزجرية، سجل المجلس أن المادة 7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية تشترط على ضوء التعديل المقترح على الجمعيات التي ترغب في الانتصاب كطرف مدني في القضايا الزجرية أن تكون حاصلة على صفة المنفعة العامة، وأن تكون قد تأسست بصفة قانونية منذ 4 سنوات على الأقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي، وأن تحصل على إذن بالتقاضي من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل حسب الضوابط التي يحددها نص تنظيمي.
وتابع: “هذا، وإذا كانت فعاليات المجتمع المدني تتطلع إلى ترصيد المكتسبات وتوسيع هذه الإمكانية التي يمنحها المشرع حصريا في التشريع الجاري به العمل للجمعيات التي تحمل صفة المنفعة العامة والمؤسسة منذ 4 سنوات على الأقل، كي تشمل باقي الجمعيات، فإن إضافة اشتراط جديد هو ‘الإذن بالتقاضي’ لا يسير في اتجاه تكريس الأدوار الدستورية للمجتمع المدني والمشاركة المواطنة والفاعلة في قضايا الشأن العام، ويبدو وكأنه تقييد لما هو مقيد أصلا”.