خميس العهد , يعد من أهم المحطات الروحية في أسبوع الآلام، ويصنف ضمن الأعياد السيدية الصغرى في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. يأتي هذا اليوم الفريد بين ثلاث مناسبات كبرى: أحد الشعانين الذي يحيي ذكرى دخول السيد المسيح إلى أورشليم، وخميس العهد، ثم عيد القيامة المجيد الذي يُتوج الأسبوع بفرح الانتصار على الموت. يحتفل الأقباط بهذا اليوم بإحياء أحداث مقدسة وعميقة تحمل معاني الفداء، المحبة، الخدمة، والألم.

أحداث خميس العهد… التناول وغسل الأرجل
في هذا اليوم، قام السيد المسيح بتأسيس سر التناول، وهو أحد أسرار الكنيسة السبعة، خلال العشاء الأخير مع تلاميذه. حيث قال لهم: “أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء، إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد”، مشيرًا إلى أن الخبز هو جسده، والخمر هو دمه، اللذان يُعطيان للحياة الأبدية. بهذا السر، يُشارك المؤمنون في جسد ودم المسيح، ما يُعد ذروة العلاقة الروحية بين الإنسان وربه.
ومن بين المواقف المؤثرة التي حدثت أيضًا، قيام السيد المسيح بغسل أرجل تلاميذه، وهو عمل يحمل رسالة عميقة في التواضع والخدمة. ففي إنجيل يوحنا، نقرأ: “صب ماء في مغسل، وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرًا بها”، وهي لحظة يتجلى فيها الحب العملي الذي يعلّمنا المسيح من خلاله كيف نخدم الآخرين دون كبرياء.
في نفس الليلة، تنبأ السيد المسيح بخيانة يهوذا وإنكار بطرس، قائلاً: “الحق الحق أقول لكم: إن واحدًا منكم سيسلمني!”، وهي كلمات مهّدت لأحداث ليلة الجمعة، عندما جاء يهوذا ومعه الجند إلى جبل الزيتون حيث كان المسيح يصلي، فسلمه بقبلة، ليبدأ فصل الآلام ومحاكمته.

الطقوس الكنسية في خميس العهد… رمزية روحية عميقة
تبدأ احتفالات الكنيسة القبطية في وقت مبكر من الصباح، حيث يُقام الطقس داخل الهيكل لأول مرة منذ أحد الشعانين. وتُتلى صلوات السواعي: الساعة الثالثة، والسادسة، والتاسعة، يليها “صلاة اللقان”، وهي إحدى الصلوات الخاصة التي تُقام ثلاث مرات فقط خلال السنة القبطية: في عيد الغطاس، وخميس العهد، وعيد الرسل.
في طقس اللقان، يغسل الكاهن أرجل الرجال المشاركين كرمز للتواضع والخدمة، أما النساء فترشم المياه على جباههن بنفس الروح الرمزية. بعد اللقان، يُقام قداس خميس العهد، والذي يمتد حتى الثالثة عصرًا، في أجواء يغلب عليها الخشوع والتأمل في محبة المسيح وتضحيته.
دعوة للتواضع والشركة الحقيقية
هذا اليوم ليس مجرد طقس تقليدي، بل هو فرصة لإعادة فهم عمق العلاقة بين الإنسان والله من خلال أسرار الكنيسة، ورسالة المحبة والتواضع التي جسدها المسيح. هو يوم يُذكّرنا بأن طريق الخلاص يبدأ من العطاء والخدمة، وينتهي عند الصليب بقيامة المجد.