كشفت المهندسة الزراعية الفلسطينية ورئيسة الهيئة الإدارية للجمعية العربية لحماية الطبيعة (APN)، رزان زعيتر، أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة دمّرت، منذ انطلاقها في أكتوبر 2023، ما يصل إلى 80 بالمائة من الموارد الزراعية لهذه البقعة الفلسطينية، “لا سيّما مع إيغال إسرائيل في تجريف الأراضي الفلاحية، وتوظيف أسلحة تفقدها خصوبتها”.
ولفتت زعيتر، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، على هامش فعاليات قمة “بالعربي” في العاصمة القطرية الدوحة، حيث ألقت مداخلة بسطت فيها مشروع “المقاومة الخضراء”، إلى أن “هذا اللون من النضال ضد المحتل ظلّ مستمرا خلال الحرب الجارية، خصوصا مع إطلاق مبادرة “إحياء مزارع غزة”، التي كرّست شعار: يقتلعو شجرة.. نزرعو عشرة”.
في هذا الصدد أكدّت ضيفة الجريدة أن “المغرب مؤهل، بحكم المكانة المحترمة التي يحظى بها على الصعيد الدبلوماسي، ليلعب دورا رئيسيا في تخفيف حدة مشاكل القطاع الزراعي في غزة، من خلال الضغط باتجاه رفع الحظر عن إدخال البذور”، مضيفة أن “التفكير في التواصل مع الجهات الحكومية المغربية في هذا الشأن يبقى واردا”.
وعلى مدى 25 سنة عملت رزان زعيتر على مساندة ودعم المزارعين الفلسطينيين “في مواجهة أعمال التجريف ومصادرة الأراضي”، مما مكّن من زرع أكثر من ثلاثة ملايين شجرة، واستقرار آلاف الأسر الفلسطينية في أراضيها الفلاحية.
نص الحوار:
ما حجم الأضرار التي رصدتم بخصوص الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المستمرة منذ أكثر من سنة ونصف، على مستوى القطاع الزراعي؟
في الحقيقة هذه الأضرار تفوق الوصف، فقد دمّرت الحرب الجارية 80 بالمائة من الموارد الزراعية لقطاع غزة، ورفعت نسبة سكانها الذين يعانون من المجاعة إلى 30 بالمائة. إسرائيل أهلكت القطاع الزراعي في البقعة الفلسطينية بوسيلتين: الأولى هي التجريف المتعمد للأراضي، والثانية تتمثل في استخدام أسلحة ملوّثة وسامة تفتك بخصوبة التربة.
لقد وظّف الاحتلال الفوسفور الأبيض المعروف علميا بضرره الكبير على الأرض. رغم ذلك يمكن مواجهة تبعات هذه المادة على الزراعة الفلسطينية؛ إذ أثبتت التجربة في لبنان، حيث توسلت بها إسرائيل كذلك، أن هذا الأمر ممكن.
ورغم الظروف الميدانية الخطيرة، فإن بعض فلاحي غزة ما زالوا يحرثون أراضيهم، فيما ننكب نحن، حاليا، على محاولة إصلاح الآبار التي دمّرتها الطائرات الإسرائيلية، وتركيزنا منصب حاليا على الأراضي غير الملوثة من هذه الحرب، أو ما قبلها، بأي مواد سامة.
تطرحين مشروعا/ شكلا جديدا من “مجابهة” الاحتلال تسمينه “المقاومة الخضراء”، هلاّ وضحّت لنا هذا المفهوم؟
المقاومة، كما هو معلوم، يمكن أن تتخذ أشكالا مختلفة؛ قد تتم بالسلاح أو بالفن أو الإعلام، كل حسب تخصصه. حينما نقول نحن مقاومون خُضر فأعني أننا نقاوم من خلال دعم المزارعين الصغار، وإعادة تأهيل مزارعهم المدمّرة، والترافع أمام المنابر الدولية ضد سياسة التجويع وعسكرة الغذاء.
كل ذلك ينصهر في هذا الشكل من المقاومة، الذي يكتسي أهمية كبرى تتجسد في منح الفلسطيني القدرة على الصمود، وعدم الاعتماد على العطايا، بل على نفسه لكي يضمن سيادته وقوته.
بالعودة إلى غزة، بِمَ جسدتم أو دعمتم “المقاومة الخضراء” في القطاع؟
في الأساس نشتغل في إطار هذه المقاومة، منذ 25 سنة، على دعم الزراعة في فلسطين والقطاع على وجه التحديد، لأن هذا الأخير لم تُخطئه حملات التجويع الإسرائيلية في كل حروب الاحتلال عليه. أكثر من ذلك تم في حرب 2008 احتساب السعرات الحرارية المسموح بولوجها لغزة.
ما بعد 7 أكتوبر كان التجويع هدفا رئيسيا لإسرائيل، إذ استهدفت قواتها البرية والجوية الأراضي الزراعية بشراسة. وهذا الأمر أوصل الفلسطينيين بالقطاع إلى مستوى المجاعة الكارثية.
هل تحفيز أو إسناد هذا “اللون من المقاومة” في غزة ما زال مستمرا رغم الحرب؟
بالتأكيد. هذه الجهود لم تتوقف، وتفاعلا مع تداعيات ما بعد 7 أكتوبر أطلقت الجمعية في 30 مارس الماضي، بالتزامن مع تخليد يوم الأرض الفلسطيني، حملة طارئة تحت اسم “إحياء مزارع غزة”، وتتخذ شعار “التجويع سلاحهم والمقاومة خيارنا”.
ولكن في ظل تطويق وسيطرة شبه كليين لإسرائيل على قطاع غزة، ألا تحف الأمرَ صعوبات كثيرة تسائل مدى فعاليته؟
في المبدأ، حتى في الظروف العادية تشكو الزراعة في قطاع غزة من عراقيل إسرائيلية كثيرة، أشدها منع إدخال البذور. وهنا اسمح لي أن أوضّح أن الجمعية تؤمن بالزراعة، وليست مهمتها إدخال الغذاء، فبصعوبة بالغة نتمكن من إدخال قدر هزيل من البذور إلى القطاع. غير أن الإشكال الأعظم، في هذا الجانب، أن المنظمات الدولية المعنية بشؤون الغذاء، أممية كانت أو حكومية أو غير ذلك، عاجزة تماما عن القيام بدورها، وهذا شيء يؤلم بشدة.
اختزلت سبب هذا المنع، في المداخلة التي قدّمتها في قمة “بالعربي”، بالقول: “بذورنا (الفلسطينيين) تخيفهم، وتعنين بذلك الجانب الإسرائيلي بطبيعة الحال؛ هل يمكن أن تشرحي لنا أكثر المقصود بالعبارة.
أنا متمسكّة بحقيقة أن بذور الفلسطيني تؤرق وتخيف السلطات الإسرائيلية، لولا ذلك ما كانت منعت إدخالها. إنها تعي بأن البذور هي حياة وسيادة على المصائر، وتزودنا بالقدرة على المقاومة.
– ما الدور الذي يمكن للمغرب- ويُستحضر هنا كونه البلد الوحيد الذي نجح في إدخال المساعدات إلى غزة عبر طريق بري مرتين- لعبه للحد من مختلف مشاكل الميدان الزراعي بالقطاع، وضمنها إشكالية البذور؟
أرى أن ثمّة حاجة ماسة لأن تضغط الدول العربية، وضمنها المغرب، في هذا الاتجاه، وبكل الاتجاهات، من أجل توفير التطبيب والماء والغذاء. غير أن مسألة البذور، كما قلت، حيوية وتطرح إشكالية مستمرة. ما دامت الدول المُستعمرة لا تريد للفلسطيني أن يزرع غذاءه، فمن إذن سيقف مع “زراعة غزة” غير الدول العربية.
واعتقادي أن المملكة المغربية بإمكانها أن تضاعف جهودها الدبلوماسية بما يضمن تسوية عادلة لمشاكل المزارعين الفلسطينيين، بمن فيهم الغزاويون، 100 بالمائة.
ألا تطرحون في الجمعية فكرة تحويل الرهان على الدور المغربي والعربي عموما إلى تحركات فعلية مع الجهات المعنية؟
المغرب، كما هو معلوم، دولة محترمة على الصعيد الدبلوماسي، ولذلك ثمة حرص على أن يكون لها وزن في هذا الصدد. بالموازاة، الجمعية منفتحة ولن تفوّت الفرصة إذا أتيح لها المجال للتواصل مع الحكومة المغربية لإقناعها ومطالبتها بتفعيل الضغط على الجانب الإسرائيلي من أجل إدخال البذور.
الدول العربية، للأسف، تعد أكبر مستورد للغذاء في العالم، وهو ما يفقدها السيادة على نفسها؛ ولذلك ثمة حاجة لتستيقظ المنطقة عاجلا، وتعي أن ضمانها السيادة الغذائية يعني بشكل أوتوماتيكي صون سيادتها السياسية بما يمكنها من فرض إدخال البذور إلى غزة. هذه حلقة مفرغة في نهاية الأمر.